تأملات تجوال البرتقال

تجوال البرتقال … الشونة الشمالية

آخر نشاط لنا لعام ٢٠٢٢ كان تجوال البرتقال بالتعاون مع ملتقى حكايا الخامس عشر.

ذهب بنا البرتقال إلى منطقة الشونة الشمالية وبالأخص مناطق تل الأربعين وبلدة الشيخ حسين.

كلما ذهبنا إلى بيارات البرتقال نشعر وكأننا بقطعة من الجنة. أول ما ندخل البيارة وتُقابلنا أشجار الحمضيات ننفصل عن العالم الخارجي ونصبح في حالة التحام مع الطبيعة.

بدأت فكرة تجوال البرتقال عام ٢٠٢٠ عندما أدركنا بأننا ولا مرة في حياتنا دخلنا بيارة من قبل، نعيش دائما موسم البرتقال والحمضيات بفصل الشتاء ولكن ولا مرة كنا بحالة قرب من الأرض والشجر والمزارع وأهل البيارة لنفهم ما معنى موسم البرتقال وأنواعه، ولماذا اسمها بيارة وماذا يواجه المزارعين في المنطقة من مشاكل وبالأخص لأن منطقة الشونة الشمالية هي منطقة حدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل العدو الاسرائيلي. 

أنواع البرتقال مختلفة في البيارات التي زرناها، من البلدي والشموطي والفرنسي وأبو صرة وفالنسيا. شخصياً، أحببنا البرتقال البلدي أكثر شي لحموضته ولكن هناك أيضاً نوع فالنسيا الحلو والذي يتأخر موسم نضجه وحصاده عن باقي الأنواع المختلفة كما أخبرنا عارف صاحب البيارة، بعض الأشجار في البيارات التي ذهبنا اليها كان عمرها أكثر من ثلاثين سنة وكان هناك أشجار حديثه عمرها حوالي ٥ سنين. أخبرنا عارف بأن شجرة البرتقال تبدأ بطرح كميات جيدة من الثمار بعد عمر ال ٥ سنين. 

أراضي البيارات في الشونة الشمالية تقسم إلى وحدات زراعية لا تقل عن حوالي ٤٠ دونم لكل قطعة، فعندما تمشي داخل بيارة فأنت تكون داخل مساحات شاسعة وممتدة من الأشجار. مصدر المياة الرئيسي بالصيف هو قناة الغور الشرقية، وهناك جدول لتوزيع المياه على المزارعين، يوم بالأسبوع يمتد لساعات مختلفة على حسب مساحة البيارة ونفوذ صاحبها، أما في فصل الشتاء فمياه الأمطار تكون بديلا لمياه القناة.

داخل بيارة طارق وقفنا عند نقطة قريبة من الحدود لنرى الضفة الغربية من نهر الأردن، وهناك روى لنا طارق بأن عائلته كانت قد هُجرت من ضفة النهر الغربية إلى ضفة النهر الشرقية بعد النكسة وبدؤوا بزراعة الأراضي بأشجار الحمضيات. كانت الأرض واحدة قبل الاحتلال وكان هناك تنوع في المحاصيل بين بيارات ومحاصيل موسمية على ضفتي النهر وليس فقط بيارات برتقال ولكن بعد الاحتلال حدث التقسيم وغيّر من شكل الأراضي وطبيعة المحاصيل.  

في تجوالنا كنا بضيافة أهل بيارات ما زالوا يعيشون بداخلها مما جعل تجربتنا أغنى ومضيافة أكثر. في الوضع السائد في الشونة الشمالية كما علمنا، يقوم المزارعين بتضمين محصول البيارات بمبلغ معين، فبالتالي يكون المستفيد الأكبر هو التاجر مع العلم بأن المزارع هو من يقوم بكل المجهود خلال العام، وهذا التضمين يلغي فكرة التلقيط والبيع المباشر لمن يرغب من الناس.

عبير شقيقة عارف كانت هي روح الضيافة، استقبلتنا هي وشقيقاتها بأكلات موسمية وشعبية، لم نعرف من أين نبدأ بالأكل، من قلاية البندورة وإلا مفركة البطاطا وإلا مفركة الكوسا وإلا المجدرة وإلا مشاط الزهرة وإلا الششبرك وإلا التشاشعيل وإلا وإلا، بهذه الروح دعونا للغناء معهم لتصبح البيارة ساحة للأكل والغناء والنقاش والانبساط.

في أحاديثنا الجانبية تحدثنا عن كيف الزراعة مقسمة في الأغوار؛ في الأغوار الشمالية تكثر البيارات وفي الأغوار الوسطى الموز وفي الأغوار الجنوبية المحاصيل الموسمية.

العلاقة مع البرتقال تختلف مع كل زيارة، أضفنا لقصصنا مع البرتقال قصص جديدة قد تكون عادت بنا إلى الجذور. 

بعد هذا التجوال ما أدركناه هو أن المزارع مُحارب في مواجهته لسياسات التضييق عليه داخلياً وأيضاً ما يقوم به الاحتلال من أعمال مثل الحرائق واطلاق الخنازير البرية للتخريب. 

عُدنا وريحة أيادينا تفوح برائحة البرتقال ولونها برتقالي من كثر ما قمنا بالتقشير وأكل البرتقال.  

وكل موسم برتقال ونحن بخير

تجوال الرمان

٢٠٢١/١١/٥

كفرسوم. إربد. الأردن

بالتعاون مع الملتقى التربوي العربي

المواسم هي كنوز نرغب باكتشافها، لذلك بموسم الرمان توجهنا إلى قرية كفرسوم في إربد لنتعرف على أودية الرمان. بأول زيارة للمنطقة، بصحبة صديقتنا وفاء، إلى كفرسوم تعرفنا على هاني وأسرته.

بيوم التجوال عشنا تجربة حيّة ولا أروع، تعرفنا على أنواع الرمان وطرق العناية به ومن ثم فرطنا الرمان وأكلنا الخبز بالبصل وزيت الزيتون والكباب وعصرنا الرمان وتعرفنا على طريقة عمل دبس الرمان وتشاركنا الحكايات والأغنيات.

حولنا العديد والكثير من منابع التعلم، نحن بحاجة لأن نُحيي فضولنا ليكتشف ونشغل حواسنا لتتعلم.

مجاورة التعلم وفق أفق حضاري

لم أعش تجربة حيّة مثل مجاورة الأفق الحضاري التي حصلت في دبين في الفترة ما بين 20-24 أيلول 2019منذ مدة.

المجاورة كانت حلم خطر على بالي قبل حوالي عام عندما كنت في لقاء ايكوفرستيز في الهند في منطقةUdaipurوفيSwaraj بالتحديد.

في ذلك اللقاء أدركت كم أن العالم لا يعرف سوى القليل عن حياتنا، وقصصنا، وصراعاتنا، وأحلامنا، وأكلاتنا والقمع الممارس ضدنا والذي نمارسه على الآخرين. قصتنا غير مروية، وكم شعرت بالحاجة للتعرف على أشخاص أكثر من منطقتنا العربية لأشاركهم ماذا أعيش، كنت أبحث عنهم وأشعر أيضاً بأنهم كانوا يبحثون عن آخرين ليشاركوا القصص والأفكار والرؤى.

عشنا الأفق الحضاري من دون أن نتحدث عنه مباشرة، وإنما فككناه إلى نقاشات بالتنمية والاحتلال/ والرؤيا والبوصلة/ والنُدرة والوفرة/ والكرم والضيافة وبين كل هذه المواضيع كنا نخلق الوقت لنغني بلهجاتنا المختلفة ونرقص على أنغام متنوعة لنوجد معناً أكبر للتغيير الغير المخطط عن طريق “تثقيف ذواتنا”.

كنا 28 شخصاً من 9 دول عربية، من اليمن والسودان والصومال وسوريا والعراق وفلسطين والأردن ولبنان ومصر، نحمل قصص أعراق مختلفة وثقافات متعددة وأديان مألوفة وغير مألوفة وأسئلة لا تنتهي أبعد من النقطة التي أعيش فيها وأوسع من الأفكار المتكونة في عقلي.

كانت زينة هذه المجاورة أطفالها؛ صوفي وأيفا بالإضافة إلى الدجاجات والأشجار والخرفان والبط والحمير وما هو غير مرئي في التربة وما تحتها.

بدأنا مجاورتنا بجلسة نتعرف فيها على بعض عن طريق قصصنا الشخصية، خالية من أية تعريفات أكاديمية ومؤسساتية، امتدت الجلسة إلى جلستين لنبدأ بغزل نسيج من الحاضر وبحضور الجميع وبما يحمل كل شخص من تاريخ.

كنا نمشي صباحاً وعند غروب الشمس، نحضر فطورنا بخلطات الفول المختلفة؛ المصرية والسودانية والفلسطينية، نرقص ونحرك أجسادنا لنبدأ جلساتنا.

عشنا الأفق الحضاري من دون أن نتحدث عنه مباشرة، وإنما فككناه إلى نقاشات بالتنمية والاحتلال/ والرؤيا والبوصلة/ والنُدرة والوفرة/ والكرم والضيافة وبين كل هذه المواضيع كنا نخلق الوقت لنغني بلهجاتنا المختلفة ونرقص على أنغام متنوعة لنوجد معناً أكبر للتغيير الغير المخطط عن طريق “تثقيف ذواتنا”.

هذا ما كنا نفعله “نثقف ذواتنا” بطريقة بسيطة وفيها كمية كبيرة من الفرح والانبساط والأمل. كيف أروي قصتي وأصغي لغيري، أنسج رحلتي بالتعلم ضمن أفاق التنوع الذي أعيش حالياً.

في اليوم الثالث بالتحديد، شعرت بأني في مكان مختلف في العالم وأعيش حالة من العفوية المخلوطة بالتعلم والصدق. في الصباح تحدثنا عن الرؤيا والبوصلة وأين أنا من الواقع الذي أعيش وكيف لقناعاتي أن تتشكل من تجاربي التي تشكل رؤيتي وتحدد بوصلتي للتعلم. وأنا بالجلسة بدأت بكتابة تسلسل حياتي وكيف تشكلت قناعاتي من تجاربي الشخصية وكيف كنت مثل الببغاء “حافظ ومش فاهم”، والأصعب بأني كنت أدافع عن معرفة تربيت عليها من دون دراية بقدرتي على أن أكون مصدر معرفة وفهم. أدركت بأهمية أن أكون مرنة ولكن من دون أن أُكْسَر، وكيف أرى التنوع وأتنوع في طريقة تفكيري حسب السياق الذي أعيش.

بعد الجلسة كان في المساحة من يقوم بتجديل أوراق الموز مع سناء، استخدامنا لأصابعنا لننسج ما هو جميل ومتوفر من حولنا بالطبيعة أضاف الكثير للعلاقات التي نقوم بنسجها معاً، وفي الطرف الآخر من الغرفة كان من يرقص أو يتحدث ويتناقش، مساحة كلها طاقة وحياة. ثم ذهبنا في جولتنا المسائية للتأمل بصحبة غروب الشمس لينتهي اليوم بليلة رقص مجنونة معجونة بأغان مصرية وسودانية وفلسطينية وأردنية وعراقية وبحفلة شواء من دجاجات المزرعة بخلطة حمادة السحرية، كان يوم ولا أروع ولا أصدق.

في هذه المجاورة تأملت بمعناها وأشكالها وأعطتني الفرصة لأفكر بالمجاورات التي تتخطى الحدود الجغرافية، شعرت بأن كلاً منا كان يعيش حالة مجاورة في المكان الذي يقيم فيه، كانت أرواحنا في حالة تجاور وهذا اللقاء سمح للأرواح بأن تتلاقى لمن استطاع أن يعبر الحدود السياسية في حين أن هذه الحدود منعت آخرين من أن يكونوا حاضرينمعنا بجسدهم.

تناقشنا بالسابق كثيراً حول أشكال المجاورات المنظمة وأشعر حالياً بارتياح لاستخدام كلمة “تدبير المجاورة”، معنى الاسم تَّدْبِيرُ: حسن القيام على الشيء والتَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعيشَةِ ومن مرادفات كلمة تدبير: فَطِنَة، كِفَايَة، حُنْكَة، حِكْمَة.

مجاورتنا كانت غنية ودسمة وخفيفة في نفس الوقت، خفيفة لأن مكوناتها لم تحتوي على ما هو اصطناعي أو مُعدل جينياً ولم تحتاج لأية وسائل مساعدة لهضم المعرفة، كل ما كان موجود مما هو متاح ومتوفر لدينا، مغذي ويسهل على الإنسان هضمه، يتسلل إلى جسمنا ويغديه لحاضره ومستقبله ويشفيه من سمومه المتراكمة.

ريف فاخوري

لمشاهدة المزيد من الصور

ما بين التعلم الفطري والتلقين

سنحت لنا الفرصة يومي الثلاثاء والأربعاء ٢٣ و١/٢٤ لنلتقي ونتحدث مع مجموعة اطفال من مركز رواد خلال مشاركتهم بالنادي الشتوي الذي يركز على قيمة الغذاء. اخبرناهم عن قصة تغميس وماذا تعلمنا خلال ال ٥ السنين من حياتنا مع التغميس. ومن ثم تناولنا معاً وجبة افطار غنية بالحب والمعرفة والمشاركة لتتذكر بأن أكلنا التغميسي والذي فيه كل العافية هو مُغذي وصحي وبالاخص اذا عرفنا مصدره، فنحن لسنا بحاجة للأموال الطائلة لنعيش ونأكل بعافية، فالجود من الموجود.

النقاش مع مجموعات مختلفة من الأطفال فيه خليط من المشاعر والأفكار، كمية الفضول وحب المعرفة والسؤال مازالت حاضره في نفوس الأطفال ولكن بالمقابل نجد كيف ان الأجوبة الجاهزة ونظام المدرسة التلقيني والذي أشبه بفكرة الببغاء حاضراً ومسيطراً بالمقابل عليهم. خلطة تُرينا وتُذكرنا بهذا الحس النقدي والفطرة بالتعلم والتساؤل، ولكن بالمقابل تذكرنا كيف أننا نقتل هذا الشيء ويختفي من دون أن نشعر به ونصبح مثل الأجهزة والروبوتات التي تردد الإجابات الجاهزة.

بسبب بعدنا في المدينة عن مصادر غذاءنا وماذا تعطينا الطبيعة وكيف تُدبر حالها بعيداً عن التدخل الانساني، نجد كيف أن هذا الحديث عن الأكل يأخد الأطفال الى عالم الخيال، كيف تُصنع الجبنة؟ وكيف تصبح الجبنة جامدة اذا هي مصنوعة بالأصل من الحليب؟ وما الفرق بين الجبنة البيضاء والصفراء؟ وكيف نجهز الحمص؟ ومن ماذا نعمل الطحينة؟ وكيف نعمل اللبنة؟ وهل نغلي الحليب لنعمل الجبنة واللبنة؟ أسئلة وأسئلة لا تنتهي عن الغذاء والأكل.

لماذا لا نتعلم في الوقت الحالي عن كيف نصنع أهم مكونات أكلنا؟ ولماذا هذا البعد عن مصادر غذائنا؟ ولماذا يتم استبدال هذه المعرفة بمعلومات جاهزة في كتب مقررة وبناءً عليها يتم قياس درجة ذكاء كل طالب؟ ولماذا نتحدث عن الأكل المغذي وبه عافية كأنه شيء بعيد عن ثقافتنا وعالمنا؟ ولماذا هذا النمط من الأكل أصبح مرتبطاً بتكلفة مادية عالية؟

مما لا شك فيه أنه لا بد من وقفة طويلة وعميقة أمام هذا التيار القوي والجارف من الهيمنة على مصادر غذائنا ومعرفتنا ونستعيد جزءاً من عافيتنا وقدرتنا الفطرية على التعلم.

شكرا رواد التنمية على اتاحة الفرصة لأهل تغميس ليشاركوا تجربتهم وعلى خلق فرص للنقاش والتعلم والتأمل و”فن وشاي” على الاستضافة.