مجاورة الميرمية/ المريمية

ريحتها، ملمسها، طعمها، صوتها وقوة وجودها.

مجاورة عايشة جمال مع الميرمية

بدأتُ وديما مجاورة مع الميرمية في سعي للمعرفة المرتبطة بحكمة النباتات وتذكر جذورنا المشتركة معها على هذه الأرض. في هذه الرحلات مع النباتات تخوض كل منا تجربتها على حدى لنعود في وقت لاحق ونشارك تفاصيل مجاوراتنا مع النبتة المختارة. وأولها اختارتنا الميرمية.

في مشهد ينتمي لتاريخ ليس ببعيد، يتسلل صوت أمي لمقدمة رأسي وأنا أعاني من آلام الدورة الشهرية “أغليلك ميرمية؟” لأجد الشعور الطاغي هو لعيان وانزعاج من طعم قوي لا جلد لي على احتماله، يتكرمش وجهي “لا لااا، ثقيلة. شكرا”. لتمر الأيام وأجد نفسي في مجاورة مع الميرمية وأسأل أمي وهي تعاني من وجع في أسنانها “أغليلك ميرمية؟”.

أول ما خطر ببالي للتحضير لمجاورتي مع الميرمية هو حضورها المادي معي في نفس المساحة، زرعت أربع شتلات وحطيت عيدانها الناشفة جمب التخت وألتزمت بشرب مغليها كل ليلة تقريباً. في الليلة التي زرعت فيها الشتلات وبعد ما وضعتها على شباك غرفتي رعدت السماء ولمع برقها وأمطرت بغزارة.. وكان هذا إعلان بدء تجديد وبناء العلاقة فيما بيننا ببركة السماء. وضعت شتلتين في غرفتي في قوارين منفصلين، والشتل الباقية زرعتهم في نفس القوارة ووضعتهم في حديقة البيت. في ليلة وسط مجاورتنا، أمطرت السماء بعد أيام مليئة بالجفاف والغبار، ووقتها خطر في بالي ان أجمع مياه المطرة واسقي فيها شتلات الميرمية التي في غرفتي على أمل أن أجلب لها قوة من الشتاء وبعض الانتعاش، سقيتها. وفي الصباح وجدت الميرمية حزينة ذابلة وأول شيء خطر في بالي هو ماء الشتاء ملوث، كان الشعور واضح وقوي. حزنت وودعت إحدى الشتلات التي قررت أن تنهي رحلتها معنا أو قررت مياه الشتاء ذلك…

خلال الأيام التي تلتها تأملت أوراق الميرمية بخضرتها الناعمة وملمسها العجيب بنتوئاتها البارزة ورائحتها القوية لتتغلغل عبر أنفي إلى أماكن سرية في الدماغ تنبهت لها عند وصولها لها. مراقبة سريان رائحتها في داخلي كان بحد ذاته تجربة ممتعة.

أما طعمها فهو قصة، لم يعد يزعجني حيث أصبحنا بالقرب من بعضنا البعض (أقرباء)، استشعر فهمها حاجتي لها ولقوتها ووضوحها من خلال طعمها. في أوقات يكون حالي غير مستقر لأجدها تحتويتي بطعمها الحاد الذي يجعل تركيزي حاضراً معها في اللحظة، وأجد أفكاري المبعثرة تستقر في مكان واحد لأراها بوضوح وأحترم حضور الميرمية المهيب في داخلي. وما أن أكن وأهدأ حتى أشعر باحتواءها لي بحنية، كأنما هي حضن ستي خديجة (جدتي).

بمناسبة الحديث عن ستي، صوت الميرمية الذي كان حاضراً طوال هذه المدة هو صوت ستي. فأشعر بقوتها وحنيتها ومرونتها. صوت حاضر أينما ذهبت سواء في أفكاري، مشاعري أو جسدي. صوت واضح، قوي، حنون، يساندني.

وفي أوقات أخرى يكون يومي أقل تعقيداً لأجد الميرمية تدعوني لاحتواء سكون حي حنون بمغليها ذو الطعم الخفيف غير المركز، لأجدنا نتواصل كأنما بنت وجدتها. تسرد لها ما في جعبتها من القصص والخيالات. وهكذا أصبحت الميرمية ملاذي في نهاية كل نهار، أتعلم معها السكون والهدوء والتركيز… اتأمل وجودها الواضح القوي.

أصوات أخرى تتراكض من الذاكرة في حضور الميرمية ليعلمني معها وعنها، ومنها صوت إحدى خالاتي وهي تقول “بغسل شعري بمغلي الميرمية ليصير أسود ولامع”، لاجد نفسي مع الميرمية في تجربة تؤكد كلام الخالة. وأصوات مختلفة تقول “احرقي الميرمية لتنظيف طاقة المكان” لاجد نفسي وسط دخانها الكثيف القوي واستعين بها بين الحين والآخر.

أما في عالم الأحلام، كنت أنهى وقتي مع الميرمية بشرب مغليها على نية الوضوح في الأحلام… وأنام. لأجد نفسي استيقظ أحيانا متذكرة تفاصيل حلمي كاملاً وأدونه أو أرسمه، أو ناسية تماما لما مر به. أو لتعبر لي خلال الأحلام صور من الواقع لأحداث وأشخاص واضحة ملامحهم.

كما كنت أقاوم طوال الوقت رغبتي في البحث على جوجل عن فوائد الميرمية واستخداماتها وأسرارها، وأخيراً قررت السكون والعدول عن فكرة البحث في حضرة المعلمة. اخترت أن ابطئ، واستمع واستمتع بحضورها. التعلم مع الميرمية كان بالمراقبة (للنفس والأفكار والمشاعر وطرق التواصل والتوصيل والتفاعل… وكل تفاصيل وجودي)، وبالتأمل، وبالتجربة.

واحدة من التجارب التي تشجعت على خوضها من جديد بتشجيع حضور الميرمية هو استكشاف العفن/ الفطر، ففي السنوات الماضية كان خوفي من الفطر والعفن النافع مسيطر على تجاربي. إلى أن بدأت اتعلم من الأصدقاء العارفين عن فطر الكامبوتشا (الشاي المخمر) لاجد نفسي في جوار كائن حي فعال ويتكاثر بدون أن أفهم، مما زاد خوفي الذي لم يساعد على توطيد العلاقة وموتها في ذاك الوقت. أعتقد أن السنوات غسلت شيئاً من هذا الخوف واسترجعت بعضاً من عافيتي في هذه المجاورة لتجربة لتخمير /تعفين الميرمية. صوت ستي بداخلي “لا داعي للخوف”، في زجاجة مخفية في المطبخ يتكاثر الآن الفطر على أمل أن تحتويه الميرمية في هذه الفترة حتى توضح الرؤيا عما إذا سيكون أو لا يكون.

وها أنا قد اكتسبت قريبة تكبرني عمراً في الوجود المادي والمعرفي، بعد مجاورة دامت الشهرين تقريباً، علاقة قائمة على السكون الحي والحضور المرن في وضوح.

فيروسات فكرية ٨: مجاورة الحَجِر مع المُعلم منير فاشه

فيروسات فكرية ٨

ليلة سَمر رمضانية

في هذا اللقاء تحدثنا عن كلمات مثل: التعلم، التحدث، التوأمة بين العافية والمجاورة، العصبية…

وهذا الأسبوع كانت مناقشة مفتوحة تحدثنا فيها عن مواضيع مختلفة، بدأنا بأسئلة وقضايا اخترناها وتعمقنا بها سوياً.

يوم الثلاثاء ١٩/٥ الساعة: ٨:٣٠ مساءً بتوقيت عمان والقدس ٧:٣٠ مساءً بتوقيت القاهرة

#تغميس #فيروسات_فكرية #منير_فاشه

فيروسات فكرية ٧: مجاورة الحجر مع المُعلم منير فاشه

فيروسات فكرية ٧: ماهية الشخص: الثلاثي – الرجل الثابتة وما يحسنه وما يبحث عنه.

في اللقاء السابق ركّزنا لمعرفة ذاتنا على الرِجْل الثابتة في حياتنا. في هذا اللقاء أكملنا الحديث عن الرجل الثابتة وأيضا عما يحسنه الشخص (ما يتقنه وفيه جمال ونفع وعطاء واحترام) وأيضا عما يبحث عنه في حياته. أي، يُكِوِّن الثلاثي – الرجل الثابتة وما يحسنه وما يبحث عنه – ماهية الشخص.

فيروسات فكرية ٦: مجاورة الحجر مع المُعلم منير فاشه

فيروسات فكرية ٦ ما هو الثابت في حياتي؟…

معرفة الذات قد تتكون من ثلاثة أسئلة أساسية: ماذا أُحْسِن؟ وماذا أبحثُ عنه في حياتي؟ وماذا يكوّن رجلي الثابتة في الحياة؟ يرتبط السؤال الأول بقول الإمام علي “قيمة كل امرئ ما يحسنه” (بمعاني يحسن المتعددة بالعربية)؛ ويرتبط الثاني بقول الرومي “أنت ما تبحث عنه”؛ والثالث بتأكيد الرومي على أن حياة الإنسان حتى تكتمل ترتكز (كالفرجار) على قدمين: قدم ثابتة وقدم دوارة. أي، منبع الأسئلة مقولات من أفقنا الحضاري….

فيروسات فكرية ٥: مجاورة الحجر مع المُعلم منير فاشه

فيروسات فكرية 5 معامل الذكاء‎

عكس فيروس كورونا الذي لا نعرف أين نشأ، تحادثنا في اللقاء الأول حول مصدر وتاريخ نشوء فيروس التعليم النظامي بما في ذلك قياس معرفة شخص على خط عمودي (ما يسمى بالتقييم)، وسنتحادث في هذا اللقاء الخامس حول مصدر وتاريخ نشوء فيروس معامل الذكاء (وسنتحادث في لقاء قادم حول نشوء فيروس تنمية المجتمعات). الفيروسات الثلاثة كانت وما زالت بمثابة “أسلحة دمار شامل” على صعيد الفكر والكرامة والعافية والحكمة والتعددية والمساواة والمسؤولية والنسيج المجتمعي وعلى صعيد الطبيعة الشافية [تعبيرٌ نبهتني له أمس الصديقة لمى الخطيب ل”ابن سينا” قبل ألف سنة حيث قالت أنها تجده أفضل من كلمة “مناعة” التي أستعملها، وأوافق معها كليا، كما أوافق مع إحدى المشاركات في لقاء سابق ذكرَتْ “الفطنة” بدلا من “الذكاء”.

فيروسات فكرية ٤: مجاورة الحجر مع المُعلم منير فاشه

فيروسات فكرية ٤

حديث كثير وحماس كبير حول التعلم والتعليم عن بُعْد. “التعلم عن بعد” فيروس خطير. التعليم عن بعد ممكن لكن ليس التعلم، فالتعلم مثل التنفس والهضم لا يمكن أن يحدث عن بعد بل داخل الشخص.

كورونا أمرٌ خطير على البشرية، لكن في نفس الوقت يمكن أن ينبّهنا لفيروسات على أصعدة أخرى أهملناها كالعقول، تنهش فينا ببلاد الشام منذ 150 سنة دون وعيٍ، بل ندفع الغالي والرخيص لاستيرادها والافتخار بها! كورونا لا يعيش وحيداً بل نتيجة فيروسات على أصعدة أخرى مثل تحكُّم رأس المال بشتى نواحي الحياة ومثل تحكُّم التقييم العمودي ولغة الكتب المقررة والإعلام الرسمي في إدراكنا لقيمتنا ومثل نشر فيروس التعلم عن بعد.

هذه فرصة لصحوة نادرة وتحرُّر من فيروسات واستعادة التعلم كقدرة بيولوجية لا يمكن أن تحدث عن بعد، إلا إذا مسخناها؛ صحوة إذا خسرناها ستعود فيروسات جديدة بالمستقبل تنهشنا. لعل أخطر وأعمق فيروس على صعيد العقل هو تعريف “فرانسيس بيكن” للعلم على أنه قهرُ وإخضاعُ الطبيعة وخلخلةُ أسسها. لم يَحِدْ العلماء (إلا قلائل) عن هذا منذ 400 سنة. الطبيعة تتمرد عبر تسونامي وتغيير مناخ واحتباس حراري جميعها يهدد البشرية، ونختار أن نبقى بسبات عميق، نرفض أن نفعل شيئا سوى الغوص أكثر. يرفض صاحب سيارة وضعَ كاز بسيارته إذ يعرف أن ذلك يخرب “معدتها”، لكن لا يتردد بوضع ما هو أسوأ بأمعدة أطفاله! فيروس التخدير هذا له أمثلة عديدة بحياتنا. اتُّخِذَت كل الاحتياطات والقوانين لحماية أجسامنا من فيروس كورونا، وفي نفس الوقت تُتَّخَذْ كل التدابير لإحضار فيروسات العقول من المدارس إلى البيوت.

هذه فرصة لتنظيف أفكارنا ولغتنا من مفاهيم وكلمات موبوءة… هذه الأفكار موضوع تحادثنا يوم الثلاثاء.

فيروسات فكرية ٣: مجاورة الحجر مع المُعلم منير فاشه

نسمع كل يوم تفاصيل من كل الأنواع حول فيروس الكورونا، لكن لا أحد يحكي عما يمكن أن نفعله بدءا من اليوم، بعد ما يمر هذا الوباء، إذ على الأغلب نبقى ننتظر من الحكومات أن تحل مشكلات وأزمات غير قادرة على حلها… هنا تدخل الرؤية (وليس الأهداف) كسلاح في أيدي الناس يقوم كلٌّ منا بمسؤوليته نحو ذاته ومن حوله؛ مسؤولية سلبتنا منها المؤسسات والمهنيون والخبراء عبر فيروسات من شتى الأنواع، كان وما زال أخطرها فيروسات العقل والإدراك.

بدأنا مجاورتنا بسؤالين: – ماذا في رأيك يميز الحكمة؟ كيف تفسر أن قدرة الدول التي ندعوها بمتقدمة كانت أضعف في تعاملها مع كورونا؟ بالإضافة إلى أننا تحدثنا ببعض الإسهاب عن أمرين (تطرقنا لهما قليلا في لقاءاتنا السابقة): عن رياضيات القبيلة الأورو-أمريكية كأخطر فيروس على صعيد العقل، وعن الرؤية التي يعمل وفقها المعلم منير منذ سنين.

فيروسات فكرية ١: مجاورة الحجر مع المُعلم منير فاشه

فيروسات “كورونا” على صعيد العقول (والإدراك) منذ خمسة قرون لا نعيها بعد، لكنها الفيروس الأم الذي ولّد معظم ما تبعه من فيروسات على أصعدة أخرى.  تمثّل فيروس العقول بكلمات لها إيحاءات تبدو تقدمية لكن ليس لها دلالات في الحياة. سأختار كلمتين كبداية في حديثي (ومن ثم على كل شخص أن يتفكر بكلمات كانت بمثابة فيروسات نخرت فكره وكان لها عواقب سيئة): كلمة “فاشل” (التي تعني عكس ناجح)، وكلمة “متخلّف” (التي تعني عكس متقدم)… من أغرب ما لاحظته أن معظم الكلمات الفيروسية ترتبط ببعد رياضي (أعني الرياضيات التي نمت ضمن القبيلة الأورو-أمريكية والتي في خبرتي تشكل فيروسا لعله الأخطر والأعمق).