عكس فيروس كورونا الذي لا نعرف أين نشأ، تحادثنا في اللقاء الأول حول مصدر وتاريخ نشوء فيروس التعليم النظامي بما في ذلك قياس معرفة شخص على خط عمودي (ما يسمى بالتقييم)، وسنتحادث في هذا اللقاء الخامس حول مصدر وتاريخ نشوء فيروس معامل الذكاء (وسنتحادث في لقاء قادم حول نشوء فيروس تنمية المجتمعات). الفيروسات الثلاثة كانت وما زالت بمثابة “أسلحة دمار شامل” على صعيد الفكر والكرامة والعافية والحكمة والتعددية والمساواة والمسؤولية والنسيج المجتمعي وعلى صعيد الطبيعة الشافية [تعبيرٌ نبهتني له أمس الصديقة لمى الخطيب ل”ابن سينا” قبل ألف سنة حيث قالت أنها تجده أفضل من كلمة “مناعة” التي أستعملها، وأوافق معها كليا، كما أوافق مع إحدى المشاركات في لقاء سابق ذكرَتْ “الفطنة” بدلا من “الذكاء”.
حديث كثير وحماس كبير حول التعلم والتعليم عن بُعْد. “التعلم عن بعد” فيروس خطير. التعليم عن بعد ممكن لكن ليس التعلم، فالتعلم مثل التنفس والهضم لا يمكن أن يحدث عن بعد بل داخل الشخص.
كورونا أمرٌ خطير على البشرية، لكن في نفس الوقت يمكن أن ينبّهنا لفيروسات على أصعدة أخرى أهملناها كالعقول، تنهش فينا ببلاد الشام منذ 150 سنة دون وعيٍ، بل ندفع الغالي والرخيص لاستيرادها والافتخار بها! كورونا لا يعيش وحيداً بل نتيجة فيروسات على أصعدة أخرى مثل تحكُّم رأس المال بشتى نواحي الحياة ومثل تحكُّم التقييم العمودي ولغة الكتب المقررة والإعلام الرسمي في إدراكنا لقيمتنا ومثل نشر فيروس التعلم عن بعد.
هذه فرصة لصحوة نادرة وتحرُّر من فيروسات واستعادة التعلم كقدرة بيولوجية لا يمكن أن تحدث عن بعد، إلا إذا مسخناها؛ صحوة إذا خسرناها ستعود فيروسات جديدة بالمستقبل تنهشنا. لعل أخطر وأعمق فيروس على صعيد العقل هو تعريف “فرانسيس بيكن” للعلم على أنه قهرُ وإخضاعُ الطبيعة وخلخلةُ أسسها. لم يَحِدْ العلماء (إلا قلائل) عن هذا منذ 400 سنة. الطبيعة تتمرد عبر تسونامي وتغيير مناخ واحتباس حراري جميعها يهدد البشرية، ونختار أن نبقى بسبات عميق، نرفض أن نفعل شيئا سوى الغوص أكثر. يرفض صاحب سيارة وضعَ كاز بسيارته إذ يعرف أن ذلك يخرب “معدتها”، لكن لا يتردد بوضع ما هو أسوأ بأمعدة أطفاله! فيروس التخدير هذا له أمثلة عديدة بحياتنا. اتُّخِذَت كل الاحتياطات والقوانين لحماية أجسامنا من فيروس كورونا، وفي نفس الوقت تُتَّخَذْ كل التدابير لإحضار فيروسات العقول من المدارس إلى البيوت.
هذه فرصة لتنظيف أفكارنا ولغتنا من مفاهيم وكلمات موبوءة… هذه الأفكار موضوع تحادثنا يوم الثلاثاء.
نسمع كل يوم تفاصيل من كل الأنواع حول فيروس الكورونا، لكن لا أحد يحكي عما يمكن أن نفعله بدءا من اليوم، بعد ما يمر هذا الوباء، إذ على الأغلب نبقى ننتظر من الحكومات أن تحل مشكلات وأزمات غير قادرة على حلها… هنا تدخل الرؤية (وليس الأهداف) كسلاح في أيدي الناس يقوم كلٌّ منا بمسؤوليته نحو ذاته ومن حوله؛ مسؤولية سلبتنا منها المؤسسات والمهنيون والخبراء عبر فيروسات من شتى الأنواع، كان وما زال أخطرها فيروسات العقل والإدراك.
بدأنا مجاورتنا بسؤالين: – ماذا في رأيك يميز الحكمة؟ كيف تفسر أن قدرة الدول التي ندعوها بمتقدمة كانت أضعف في تعاملها مع كورونا؟ بالإضافة إلى أننا تحدثنا ببعض الإسهاب عن أمرين (تطرقنا لهما قليلا في لقاءاتنا السابقة): عن رياضيات القبيلة الأورو-أمريكية كأخطر فيروس على صعيد العقل، وعن الرؤية التي يعمل وفقها المعلم منير منذ سنين.
فيروسات “كورونا” على صعيد العقول (والإدراك) منذ خمسة قرون لا نعيها بعد، لكنها الفيروس الأم الذي ولّد معظم ما تبعه من فيروسات على أصعدة أخرى. تمثّل فيروس العقول بكلمات لها إيحاءات تبدو تقدمية لكن ليس لها دلالات في الحياة. سأختار كلمتين كبداية في حديثي (ومن ثم على كل شخص أن يتفكر بكلمات كانت بمثابة فيروسات نخرت فكره وكان لها عواقب سيئة): كلمة “فاشل” (التي تعني عكس ناجح)، وكلمة “متخلّف” (التي تعني عكس متقدم)… من أغرب ما لاحظته أن معظم الكلمات الفيروسية ترتبط ببعد رياضي (أعني الرياضيات التي نمت ضمن القبيلة الأورو-أمريكية والتي في خبرتي تشكل فيروسا لعله الأخطر والأعمق).
فيروسات “كورونا” على صعيد العقول (والإدراك) منذ خمسة قرون لا نعيها بعد، لكنها الفيروس الأم الذي ولّد معظم ما تبعه من فيروسات على أصعدة أخرى. تمثّل فيروس العقول بكلمات لها إيحاءات تبدو تقدمية لكن ليس لها دلالات في الحياة. سأختار كلمتين كبداية في حديثي (ومن ثم على كل شخص أن يتفكر بكلمات كانت بمثابة فيروسات نخرت فكره وكان لها عواقب سيئة): كلمة “فاشل” (التي تعني عكس ناجح)، وكلمة “متخلّف” (التي تعني عكس متقدم)… من أغرب ما لاحظته أن معظم الكلمات الفيروسية ترتبط ببعد رياضي (أعني الرياضيات التي نمت ضمن القبيلة الأورو-أمريكية والتي في خبرتي تشكل فيروسا لعله الأخطر والأعمق).
الأيام تُكمّل بعضها ولكن لا بد من أن نقف كل فترة لنتأمل بما نعيش من تجارب وماذا نتعلم منها.
عام ٢٠١٩ كان عام الزراعة بإمتياز، تعلمنا طرق الزراعة الطبيعية وشاركنا تجربتنا مع طلاب مركز سجال. انغمسنا بالصراحة والنتائج والتنافر المعرفي وحكم الذات. وكان لأيامنا مع المجاورات حصة كبيرة، وذلك مع مجاورة ما بين الصحة والعافية بِصُحبة المعلم منير فاشة في دهشور-مصر، ومجاورة التعلم وفق أفق حضاري في دبين-الأردن حيث اجتمع ٢٨ متجاور ومتجاورة من ٩ دول عربية.
“المعرفة إذا لم تتنوَّع مع الأنفاس لا يُعوَّل عليها” هكذا قال الشيخ الأكبر “ابن عربي”، وهكذا كان بجلساتنا مع مليحة مسلماني من فلسطين التي شاركتنا حكايتها مع ابن عربي في شهر رمضان المبارك.
حاولنا هذ العام ان نشكل أشياء بأيدينا قدر المستطاع، فشاركنا مع “هاند أوفر” من مصر بالترتيب لتدريب البناء باستخدام المواد الطبيعية. وذهبنا إلى الهند للإقامة في مزرعة المزارع الهندي الراحل Bhaskar Save الذي آمن بدورة الحياة وبأن ما يُزرع يجب أن يعود بعضاً منه للأرض. واستضفنا أصدقاء لنا من الهند والتشيك ليشاركونا جزء من معارفهم الحياتية.
شاركنا بلقاء “ايكوفرستيز” بالمكسيك والذي يضم مجموعة من الحالمين من مختلف بقاع العالم يعملون على خلق عالم من التعلم المرتبط بالطبيعة. وعلى مدى أشهر تجاورنا مع مجموعات مختلفة بالأردن بدعوة من الملتقى التربوي العربي لنتناقش حول الحكمة والعافية والمجاورات في حياتنا، وكان ختام السنة بلقاء حول المجاورة على ضفاف واحدة من معجزات هذا الكون وأخفض بقعة على سطح الأرض “البحر الميت”.
تعلمنا الكثير هذا العام وأجمل ما في رحلة التعلم على مدى ال ٣٦٥ يوماً أنه أعدنا التواصل مع الأرض وما ينتج عنها من نسيج مع أنفسنا والناس من حولنا. بقربنا إلى مصدر عيشتنا من غذاء شكلنا معناً أعمق للإنتاج والاستهلاك وباللذة التي ترافقهما.
كل الشكر لمن رافقنا رحلة التعلم لهذا العام… والمعرفة بدها تغميس:)