لا استطيع ان اذكر من سألني عن سبب ذهابي الى لبنان ؟
ما يدور في خاطري الان هو اني اردت ان اتواصل مع بعضي، مع ما تبقى لي من اصدقاء واهل
مع ما تبقى من ضحك والم.
صورة لنا في الطائرة الى بيروت اشعرتني باني انسان عادي مثل من معي في الصورة لم اتصور اني مثير للريبة ولا للشك.
لم يكن لدي ادنى شك بعدم دخولي الى لبنان، خيّل لي ان هذه المرة ستكون اسهل المرات وخصوصا باني امتلكت كل الاوراق الغير اعتيادية المطلوبة.
وقفت دينا لتتزود ببعض الماء.
سبقتها لاراجع مكتب امن عام المطار، سلمت الاوراق المطلوبة، وجلست، سالني عن سبب قدومي، قلت لاحضر عيد ميلاد اخوتي جودي وجنا.
في هذه اللحظات بدأ موسم الانتظار.
اتّصل باختي كارمن تاكد منها اذا هي اختي، بعدها اجرى عدة مكالمات، تسألت عن ماذا يحدث، قال لي لا حق لك بان تعرف اما ان ترجع او نقبل بدخولك .
قال لي: انت فلسطيني سوري
جاوبت متداركا: وجزائري متل ما انت شايف
قال لي: ليش ما حكيت
قلت له: ما سالت
الحوارات كانت متقطعة، كان في الغرفة شباك اطل بالنسبة لي على دينا وريف، ضحك مسروق من الزجاج من الساعة 11:30 صباحا للساعة 2:40 ظهرا.
جالس انا في المطار انتظر اجابة من شخص جلف ومتسلط.
اعتقد ان ما جعل وقت الانتظار يحتمل كان فكرة تراودني اني سادخل بيروت هذه المرة فرحا اكثر من اي وقت مضى لاني دخلتها بصعوبة، تخيلت نفسي اركض في مساحات المطار بعد ان يختم جواز سفري، تخيلتني اقفز مع دينا وريف بكل سذاجة في انحاء المطار، تخيلت حديثا مسائيا مع ضياء وحمودة عن “ابن الشرموطة” هذا وكيف عوفني الله.
الساعة 2:40
قال لي: لقد وصل الرد
نظرت اليه مستفهما
قال: سوف ترجع
احسست بانكسار، ولكن بطريقة لا اعرفها الان
قلت له: كتير منيح ممكن المرات الجاي يصير الرد اسرع الناس مش فاضية تستناكم .
اعطيت ريف ودينا الاغراض التي رغبت بتوصيلها الى بيروت، شعرت باني لا استطيع لمسهم تمنيت ان اضمهم ولكن لو فعلت لبكيت.
اتى العسكري المسؤول عن الترحيل، واخذني الى غرفة الترحيل، في غرفة الترحيل انت اقل من انسان عادي انت كائن يحتاج لاذن لدخول الحمام.
هناك جلست و مصطفى (ابو عبد الرحمن) رجل مصري عمره 55 عاما، ويوسف شاب مصري من بورسعيد، ورجل تركي لا يتكلم العربية ولا الانكليزية، ومؤمن من سوريا لا اعرف عمره
عند دخولي زاد مصطفى من كربتي حينما قال لي: لقد اتصلت امك قبل قليل وانا حدثتها
لم استطع ان اسأله عن اي تفاصيل لا اعرف سبب ذلك
كل ما رغبت به كان لحظة من السكون علني اقدر على التفكير بقرار او حل لما انا فيه، ولكن مصطفى و يوسف كانو منهالين علي بالاسئلة والتحليلات، اعتقد ان نفس السؤال كان يشغلهم ولكنهم شغلو انفسهم باي شي علهم ينسون السؤال.
كل شيء مؤلم في هذه اللحظة.
صوت مصطفى وهو يحكي ويكذب علينا، ويوسف هذا الشاب الذي اعتقد بان لبنان بلدا جميلا كما في الاغنيات والصور.
كل الافكار التي تجول في خاطري: لدي بعض الامل باني ساذهب الى الجزائر، ومن هناك اقدم لفيزا الى لبنان وارجع .
ولكن ماذا لو لم يعطوني فيزا ؟ ماذا لو منعوني من دخول الاردن ؟ لماذا علقت انا هكذا ؟ ما الغلط الذي ارتكبته حتى حصل هذا ؟
صوت اذاعة المطار وبرد المكيف يقطع افكاري ويزيد من ضيقي .
شعوري غريب جدا مليء بالترقب والحيرة .
تعود تلك الاسئلة .
من اين انا ؟ ولماذا لا املك مكان ما اكون منه واعيش فيه اشبه كل ما يحطيني فيه حتى الناس ؟
كل ما ارغب به الان هو رؤية كارمن وامي وجودي وجنا
احتاج بعضا من اليقين.
وضعي احسن من الكثير من اصدقائي على الاقل املك الجزائر صوت في داخلي يردد تلك المعلومة
الانتظار مع الوقت يتحول لعادة، كل ما اتمناه حاليا ان يعود اهلي لايقاع حياتهم، الا يتأثروا بالموضوع ولا يشعروا بمأساة من نوع ما، صوت صفير يصدر كل ثانيتن يقطع افكاري مجداد، ضوء النيون الابيض القوي، وصوت تنفسنا كل الاشياء تثير الفزع.
الغرفة مليئة بالترقب، اشعر كاني محاصر مرة اخرى في جامع علي.
يخرجني من حالة الحصار صوت عسكري جديد، يقول لي صار موعد طائرتك، حملت اغراضي ومشينا سألته مستهزئاً هل من وقت لتّسوق؟ جاوبني بازدياد سرعة خطواته وصلنا بسرعة هائلة الى الطائرة
الميزات في الترحيل هي التدخين في ارجاء المطار، وعدم انتظار الصفوف الطويلة.
بالطيارة ساورني شعور من الراحة بان ليس هناك من شيء اقوم به على الاقل لمدة ساعة غفوت.
الحلم كان غريبا، حلمت لو انا الطائرة ترتطم بمدرج الاقلاع محدثا نفسي بان فرصي بذلك اصبحت افضل حيث اني مارست الطياران مرتين اليوم .
الموت كان واضحاً دقائق لا متناهية من النوم العميق.
لا اعرف لماذا لم اعد اشعر بالاكتراث لاي شيء قد يحصل، كل ما شغلني هو اني عند هبوط الطائرة ساشغل الواتس اب، اريد ان اطمئن على امي وكارمن وريف ودينا ورهف.
تهبط الطائرة تصلني رسالة من شركة الهاتف النقال (نهنئكم بالسلامة ونرجو ان تكونوا قد استمتعتم في سفركم )..