ما بين التعلم الفطري والتلقين

سنحت لنا الفرصة يومي الثلاثاء والأربعاء ٢٣ و١/٢٤ لنلتقي ونتحدث مع مجموعة اطفال من مركز رواد خلال مشاركتهم بالنادي الشتوي الذي يركز على قيمة الغذاء. اخبرناهم عن قصة تغميس وماذا تعلمنا خلال ال ٥ السنين من حياتنا مع التغميس. ومن ثم تناولنا معاً وجبة افطار غنية بالحب والمعرفة والمشاركة لتتذكر بأن أكلنا التغميسي والذي فيه كل العافية هو مُغذي وصحي وبالاخص اذا عرفنا مصدره، فنحن لسنا بحاجة للأموال الطائلة لنعيش ونأكل بعافية، فالجود من الموجود.

النقاش مع مجموعات مختلفة من الأطفال فيه خليط من المشاعر والأفكار، كمية الفضول وحب المعرفة والسؤال مازالت حاضره في نفوس الأطفال ولكن بالمقابل نجد كيف ان الأجوبة الجاهزة ونظام المدرسة التلقيني والذي أشبه بفكرة الببغاء حاضراً ومسيطراً بالمقابل عليهم. خلطة تُرينا وتُذكرنا بهذا الحس النقدي والفطرة بالتعلم والتساؤل، ولكن بالمقابل تذكرنا كيف أننا نقتل هذا الشيء ويختفي من دون أن نشعر به ونصبح مثل الأجهزة والروبوتات التي تردد الإجابات الجاهزة.

بسبب بعدنا في المدينة عن مصادر غذاءنا وماذا تعطينا الطبيعة وكيف تُدبر حالها بعيداً عن التدخل الانساني، نجد كيف أن هذا الحديث عن الأكل يأخد الأطفال الى عالم الخيال، كيف تُصنع الجبنة؟ وكيف تصبح الجبنة جامدة اذا هي مصنوعة بالأصل من الحليب؟ وما الفرق بين الجبنة البيضاء والصفراء؟ وكيف نجهز الحمص؟ ومن ماذا نعمل الطحينة؟ وكيف نعمل اللبنة؟ وهل نغلي الحليب لنعمل الجبنة واللبنة؟ أسئلة وأسئلة لا تنتهي عن الغذاء والأكل.

لماذا لا نتعلم في الوقت الحالي عن كيف نصنع أهم مكونات أكلنا؟ ولماذا هذا البعد عن مصادر غذائنا؟ ولماذا يتم استبدال هذه المعرفة بمعلومات جاهزة في كتب مقررة وبناءً عليها يتم قياس درجة ذكاء كل طالب؟ ولماذا نتحدث عن الأكل المغذي وبه عافية كأنه شيء بعيد عن ثقافتنا وعالمنا؟ ولماذا هذا النمط من الأكل أصبح مرتبطاً بتكلفة مادية عالية؟

مما لا شك فيه أنه لا بد من وقفة طويلة وعميقة أمام هذا التيار القوي والجارف من الهيمنة على مصادر غذائنا ومعرفتنا ونستعيد جزءاً من عافيتنا وقدرتنا الفطرية على التعلم.

شكرا رواد التنمية على اتاحة الفرصة لأهل تغميس ليشاركوا تجربتهم وعلى خلق فرص للنقاش والتعلم والتأمل و”فن وشاي” على الاستضافة.

2018 SIT تغميسة مع طلاب

كانون ثاني من كل عام أصبح موعدا لنا لنستهل ونبدأ به عامنا بلقاء غني مع مجموعة طلاب من الولايات المتحدة، خلطة  تضم مجموعة متنوعة من الجنسيات تجتمع في مكان واحد في دائرة واحدة، نتشارك فيها القصص والتجارب لتأخذ آفكارنا وأرواحنا خارج أطرها.

هذه البقعة من العالم التي نعيش فيها وتعيش فينا هي جزءاً من المجهول للبعض، يسمعون ويتعلمون عنها من مصادر معرفه غربية وتقاس تجربتهم فيها بناء على معايير غربية ومؤسساتية وبناء عليه قد تدخل المعلومة في حيز المعرفة أو الادراك الُمبرمج.
ولكن ماذا لو حاولنا أن نجعل الرؤية خارج هذه المعايير المشوهِة للفرد وللمجتمع؟ ماذا سنتعلم؟

في بداية التغميسة بدأنا بالتساؤل عن أية أسئلة كانت تدور في أذهانهم قبل وصولهم، وماذا تعلموا من خلال أيامهم التي قضوها بالأردن؟

عامل الدهشة بالمودة الموجودة بين الأهالي كان أكثر ما لمسه الطلاب، شكل الحياة وايقاعها يختلف عن الصورة النمطية المُشكلة بأذهانهم عن المنطقة من عنف وضجيج. قد نكون نحن أيضاً قد نسينا أو أخذتنا سرعة الحياة ومشاكلها من رؤية الغنى الثقافي والاجتماعي الموجود بيننا.

في السنوات السابقة كانت طبيعة النقاش تُركز أكثر على المؤسسات والجمعيات وما هي معايير القياس التي نتبعها وما هي خطط العمل وغيرها من الأسئلة التي تصب في نفس الموضوع. ولكن هذا العام كانت الأسئلة والفضول أكثر حول مواضيع الغذاء، من أين نحصل على مصادر غذائنا في الأردن؟ وما هي طبيعة غذائنا؟ وبما أن الأكل قد يكون بوابة الروح، كيف يرتبط روحياً بنا كأفراد؟ وهل لنا سيادة على مصادر غذائنا؟ وهل هناك اي نوع من أنواع العدالة الغذائية هنا؟
الفضول ذهب بنا أيضاً إلى التحدث عن التنوع والاختلاف في مجتمعاتنا، ما هي الأكثرية وما هي الأقلية في المعتقدات الدينية.

بعد جلسة نقاش استمرت لحوالي الساعتين استمتعنا بتغميس قلاية البندورة وتعرفوا على مصادر ما تشاركوه من أكل، الجبنة من شطنا والمكدوس من جرش والزيت من سحم كفارات ومن ثم ذهبنا في تجوال بسيط في أزقة جبل اللويبدة ليتعرفوا أكثر على خبايا وقصص البلد.

ولكن بعد هذه الجلسة بقينا مع مجموعة من الأسئلة وبحالة من التأمل، العديد من القصص الشخصية المرتبطة ببيئتنا تم مشاركتها، كيف سيتم هضم المعرفة التي تعرضوا لها بما أن التجربة الشخصية المحلية واقعها بعيداً عنهم؟ جزءاً من التنوع الذي نعيشه في مجتمعنا مختلف والقصص لها أزمنة وأمكنة متنوعة، ولكن بما ان كل فرد مصدر في تشكيل معرفته نأمل أن تحلق هذه القصص خارج أطر التنميط والمعرفة الُمبرمجة والمُغلفة.